-
شنتان لهما تاريخ سري غير معروف
السوداء غرباوية ، والحمراء شرقاوية
بينما المعرقة البيضاء لأهلنا في الجنوب الليبي
-
في المنطقة الشرقية
من ليبيا يطلقون علي : القبعة - التي تصنع من الصوف الخالص اسم : (
الشنة ) وهي ذات لون أحمر وهو لون في القاموس التشكيلي الشعبي الليبي يعرف
باسم : دم غزال .
وهذه الشنة الحمراء ، سمة ينفرد بارتدائها سكان
ليبيا من أقصي منطقة مرسي مطروح : ( عرب مصر ) في الشرق عند الحدود
الليبية : ( الصحراء الشرقية التي تعرف اختصارا باسم : ص . ش ) إلي بلدة :
المقرون - الليبية في الغرب .
ثم تختفي الشنة الحمراء تدريجيا من
عند بلدة : سي سلطان - بسبب عوامل المناخ وتحل محلها ( صمادة ) تتكون من
حوالي مترين من القماش الأبيض وبعض الألوان الرمادية ، وفي الخريف والشتاء
تستبدل بصمادة من الصوف تميل إلي الألوان الداكنة ، بمثابة غطاء للرأس
وأداة فعالة لوقاية الوجه من تقلبات أتربة وغبار أجواء الحياة الصحراوية .
في سنوات التسعينيات من القرن العشرين نالت الصمادة حظا وافرا من العناية ،
إذ تشكلت من الحرير الطبيعي والقماش الناعم الملمس ، ولم تعد مظهرا من
مظاهر حياة البداوة بل مفخرة وطنية لتأكيد الذات الليبية علي الشاشات
المرئية وندوات الدوائر المغلقة وفي المحافل الدولية ذات الصبغة السياحية
البحتة .
ومع ذلك ومع كل الاحتفاء بالصمادة الناعمة بقيت الصمادة
الليبية التقليدية تواجه بجسارة تقلبات غضب الصحراء والوديان الموحشة
والباردة في عمق الجبل الأخضر ، بل وللصمادة الليبية التقليدية تواجدها و
صمودها - نسبة إلي أسمها : صمادة . وهو صمود مكثف كما نعلم في طول شرق
ليبيا وفي غربها وعلي العابرين والمقيمين في الصحراء الكبرى منذ أقدم
العصور .
أعود بكم إلي موضوع - الشنة - فعند مشارف مدينة : (
تاورغا ) علي الطريق الساحلي غربا تختفي الصمادة بمختلف ألوانها ومستوياتها
الأدبية ، تختفي علي نحو لا تدركه سوي العين التشكيلية المدربة والمهتمة
بتنوع الأزياء الليبية وثرائها الجميل ، وتحل محلها شنة سوداء اللون لها
قداسة مبطنة يسري مفعولها وعدم التخلي عنها إلي غاية الحدود الليبية
الغربية عند رأس جدير .
وبمجرد عبور المرء إلي الحدود التونسية
تستقبله هناك - شنة - بتصميم مختلف ولون يعرف هناك باسم : أحمر نبيذي - شنة
- قصيرة القامة إذا جاز التعبير ، اسمها : ( شيشية ) بدون تلك الزائدة
الصغيرة في اعلي الشنة الليبية .
والشنة الليبية ، السوداء منها
أو الحمراء علي حد سواء تسمي : البصكل حينما تضاف إليها الشنوارة ، التي
تشبه في تكوينها ذيل الحصان ، وللبصكل طقوس صارمة في ارتدائه ، منها أنه أي
البصكل لا يلبس إلا مع ( كاط ملف ) فخم يتكون من عدة قطع منها : قميص
ممتاز الحياكة - وزبون وفرملة وسروال - وكلها مطرزة بأشكال إسلامية بديعة
تنتمي إلي فن : الآرابيسك - يضاف إلي ذلك ساعة جيب فضية أو ذهبية ، وحذاء
مزود بما يشبه الجورب ولكنه من الجلد الخفيف وبالطبع ثمة : معرقة - تحت
هذا البصكل .
وغالبية لابسي ( كاط الملف ) في غابر الأيام كانوا
يمسكون بمسبحة طوال الوقت ويضعون في أصابعهم السمينة خواتم عدة من الذهب
الخالص لـتأكيد قيمة وحجم أهمية العائلة التي ينتمون إليها والتي كانت
تتميز عن غيرها من الرعاع بأصول الحسب وعظيم النسب !! .
وهذه
الملابس المصاحبة للبصكل تغلب عليها الألوان الدافئة من أخضر زيتوني إلي
بني قصطلي ، ومن أشهر لابسي البصكل ولوازمه الأساسية في ليبيا ، الموسيقار
الراحل الأستاذ : حسن عريبي ( بصكل أسود ) أما الشاعر القدير الأستاذ :
راشد الزبير السنوسي - فلون البصكل الذي يضعه علي رأسه في غالب الأحيان من
لون دم غزال .
وعن : ( المعرقة ) ومنها معرقة الأديب والإذاعي
القدير الراحل الأستاذ : المهدي الجلي ، التي تصنع كغيرها من القماش الأبيض
ويتم استيرادها بعد طفرة النفط في ليبيا في ستينيات القرن العشرين ،
تستورد بحسب مقاسات الرؤوس الليبية من الصين ومن تايوان ، واسمها يفيد أنها
تقوم بامتصاص العرق وهي مكملة للبصكل حيث تلبس تحته لهذه الغاية .
وللمعرقة حضورها الواضح بكثرة في الواحات والمناطق الجنوبية من ليبيا بسبب
ما تعكسه من نور الشمس الساطعة والحارقة في آن ، عكس الشنة بلونيها الأحمر
والأسود التي تغمد علي الرأس وبخاصة تحت الخيام المنصوبة في العراء في
ليالي المأتم الشتوية لجلب الدفء.
والسؤال الذي يفضي إلي إجابة
مفنعة لها دلالاتها الرمزية والاجتماعية والتاريخية التي تنير طريق
الفنان التسجيلي والباحث الوثائقي هو : لماذا : الشنة - في غرب ليبيا
لونها أسود بينما في شرقها باللون الأحمر ؟.
والحق أني أعرف أغلب
تفاصيل جواب هذا السؤال وبنسبة 85 % وهذا يعني أن ثمة : حلقة مفقودة يجب
البحث عنها بصبر وتروي حتي تكون الإجابة في الأول والأخير وافية ومستوفية
لشروط وقواعد البحث التسجيلي والوثائقي المتعارف عليها
هذا وأتذكر
الآن من متابعاتي الميدانية لهذه : الشنة – في بنغازي أن صديقا ثريا معروف
بين الناس بشنته الحمراء . ولاحظت ذات مساء وهو يعبر الشارع العام في
طريقه إلي سيارته التي كانت واقفة علي مقربة من سيارتي أنه يضع علي رأسه
علي غير السائد بالنسبة له : شنة سوداء . خرجت من سيارتي لتحيته وسألته من
فوري مازحا : لماذا هذه الليلة بالذات تلبس : شنة سوداء . فأجابني باسما
وقال : ثمة مناسبة ( يا فتحي وأنت ما تفوتك حاجة ) ثمة لمة تستدعي ارتداء
هذا اللون من : الشناني بالذات
-
-
النص والكاميرا
لـ : فتحي العريبي
ناشط تشكيلي ليبي مستقل
http://www.kraassi.com/
رئيس تحرير مجلة : كراسي
-
-
مخطوط
كتاب : ( أبعاد تشكيلية ) - البعد رقم (14) - تأليف : فتحي العريبي
ناشط
تشكيلي ليبي مستقل - رئيس تحرير مجلة
: كراسي
http://www.kraassi.com/
-
من فرط ذكائه وحساسيته ، وإحساسه المتضخم بالمسؤولية ، قد يري ( الفنان ) من حوله
يتحولون إلي أقزام . حينئذ فخطأ بسيط منه ، قد يلقي به إلي السجن ، أو إلي فقدان
ثقته بنفسه ، وبمجتمعه ، وبقيمة الفن عامة
-
ويحلم الفنان ، يحلم بآماله مذعورًا كذعر أرنب باغتته فجأة أضواء عربة مسرعة في
ليل الطريق
-
وحين يشعر الفنان (*) ذات لحظة بأن لا قيمة لحياته أو ليس لها معني ، يفقد كلية
أبجدية التفاهم مع الآخرين . والفنان يظل أبدا منقبا في أعماقه ومتخبطا في ظلمة
إحساسه بالعجز ، وقد .. قد يفقد ضالته المنشودة عن طريق تلك الأصداء التي تتسرب من
أعماقه الفنية والتي تضطرم ، وهيهات أن يخمد أصواتها
-
الأشكال والألوان كالكلمات تفقد معناها بتكرارها ، وإعادتها كثيرا ، ولا مفر هنا
من أن يغير الفنان جلده من حين لآخر ( إذا جاز التعبير ) ، أي عليه أن يعيد صياغة قوالبه وأشكاله حتي يضمن
بقاء المضمون حيا ونابضا
-
و يجب الاعتراف أن كثيرا من الأعمال التي تنتج بسرعة مع المناسبات سواء كانت سعيدة
أو حزينة ، لا تخدم شيئا ، وبلا فاعلية علي الإطلاق ، إلا أننا لو حاسبتا أنفسنا
بروية وصدق قد نفعل شيئا ذا قيمة ونؤدي دورا ، بدلا من أن يضاف إلي عبء المحنة الفنية
عبء فن سيئ
-
(*)
المزيد في كتاب : حرية الفنان
تأليف : حسن سليمان
الطبعة الثانية - بيروت 1983
-
حسن سليمان فنان مصري لم يعرف المهادنة - فيديو – مدته : 5 دقائق و 58 ثانية
http://www.youtube.com/watch?v=z1PUQ4rPvPA
-